كم نحن بحاجة اليوم الى مبادرات تقوم بتفعيل التقارب المسيحي الاسلامي في وطن مزّقته الطائفيّة وطعنته في صميم قلبه، لبنان الذي رسم اجمل لوحة من الاختلاف والتنوّع وصار رسالة تعايش وانفتاح.
لذا كنت مصراً منذ انتقالي الى الجامعة أن أنضمّ الى جمعيّة مدنيّة تهدف الى جمع الشمل اللبناني وكان أن انضممت الى لقاء الاثنين- كسروان. وكما نعرف فان معظم سكان كسروان من المسيحيين لكنّ لقاء الاثنين استطاع أن يجمع المسيحيين والمسلمين على طاولات حوار عديدة من أجل بناء دولة مدنية في لبنان، كما اقام ويقيم ندوات ثقافيّة وبيئيّة وفنيّة متعددة. أما اهم مشاريعه التي جذبتني اليه فهو مشروع التبادل الطالبي الذي يجمع طلاباً مسلمين ومسيحيين في يوم كامل من النشاطات.
أسّس لقاء الاثنين- كسروان في العام 1995 ليكون واحة حوار والتقاء يجتمع تحت خيمته في سهيله المسلم والمسيحي والحزبي وغير الحزبي ليشكّلوا معًا مجتمعًا مدنيًا يهدف الى انشاء دولة مدنيّة في لبنان أساسها المواطنة ولا شيء سواها.
وفي هذا الاطار عمل لقاء الاثنين مع العديد من المنتديات المدنيّة من أجل تحقيق أسمى أهدافه وهو الدولة المدنيّة. فسعى بكل الطرق الى ايصال أفكاره وتحقيقها بالتعاون مع المجتمع المدني في كل المناطق اللبنانية الا أنه كان يصطدم في كل مرة بواقع راسخ في لبنان واقع تقسيمي طائفي. لكنّ المشروع الأهم الذي استطاع هذا اللقاء تحقيقه ومتابعته ليستمرّ الى اليوم هو التبادل الطالبي الذي يقوم على ارسال دعوة من مدرسة كاثوليكية الى مدرسة اسلامية أو العكس فيزور طلاب احدى المدارس المدرسة الأخرى للتعرف الى بيئة مختلفة ومجتمع جديد. والهدف من هذا التبادل الطالبي هو زرع روح المواطنة في نفوس الطلبة وتحقيق العيش المشترك والانفتاح على الأصعدة كافة. فبعد أن قسّمت الحرب الأهلية اللبنانيّة لبنان الى مناطق وطوائف جاء مشروع التبادل الطالبي ليشرع الأبواب أمام الطلاب أي الجيل الصاعد ليبنوا معًا لبنان أفضل بالمحبة والتعاون والالفة بدل الطائفية والبغض والتقوقع.
انطلاقاً مما سبق فقد قام لقاء الاثنين بتنظيم تبادل طالبي يوم الأربعاء 10 شباط 2016 شاركت فيه مدرسة القديس يوسف عينطورة وجمعية المقاصد الخيرية وثانوية جورج افرام النموذجية الرسمية في جونيه وقد أقيم هذا التبادل في مدرسة القديس يوسف عينطورة. وقد حضر طلاب المدارس الثلاث بفرح ونشاط كما كان حاضرًا كل من مدير معهد القديس يوسف عينطورة الأب سمعان جميل ومؤسس لقاء الاثنين الأستاذ نهاد أسعد الشمالي ورئيسة اللقاء ومديرة ثانوية جورج افرام النموذجية السيدة كمال عقيقي ساسين كما شارك الأب سيمون ديب ومنظم النشاط الأستاذ فادي الفار وأعضاء لقاء الاثنين.
انطلق يوم التبادل بكلمة ترحيبية لمدير معهد القديس يوسف وبكلمة لمؤسس لقاء الاثنين تناولا فيهما أهمّ أهداف هذا المشروع على الصعيد الشخصي لكل طالب وعلى الصعيد الوطني مشددين على ضرورة متابعة المشروع واستمرار التواصل بين الطلاب حتى بعد انتهاء اللقاء.
بعد الكلمتين الترحيبيتين انطلق الطلاب في جولة في أرجاء المعهد للتعرف الى تاريخه العريق ثم استمعوا الى محاضرة ألقاها أب لعازري. ثمّ شاهد الطلاب مقتطفات من فيلم "حسن ومرقس" وتناقشوا حوله. وفي نهاية اليوم قام الطلاب بعدد من النشاطات المشتركة.
موقع الفن الذي قام بتغطية هذا الحدث عاد ببعض الكلمات ، فرئيسة لقاء الاثنين كسروان ومديرة ثانوية جورج افرام النموذجية السيدة كمال عقيقي ساسين تحدثت عن اللقاء الطالبي وهو مبادرة أطلقها لقاء الاثنين عام 2002 والهدف منه توحيد الشباب وتوحيد تطلعاتهم والفكرة هي وليدة الحرب الأهلية كفكرة تصحيحية لكل الانشقاقات في لبنان التي تم زرعها في قلوب الناس. كما أكّدت أن هذا التبادل الطالبي يعيد روح الالفة فقبل الحرب الأهلية لم يكن هناك من شرخ على صعيد المناطق. وأصداء هذا المشروح مفرحة اذ ان الصداقات التي يبنيها الطلاب هنا تبقى وتستمرّ بعد انتهاء التبادل. وأشارت الى أنّ ثانوية جورج افرام النموذجية شاركت في هذا النشاط منذ السنة الماضية وهي المدرسة الرسمية الوحيدة التي تشارك في هذا النشاط لذا وجدنا أنه من واجبنا التربوي اشراك الطلاب في هذا النشاط بعد أن أخذنا الاذن من وزارة التربية التي رحبت بالمشروع. ولمسنا خلال هاتين السنتين تجاوباً كبيرًا من قبل الطلاب الذي يبدون دائمًا سعادتهم بهذا النشاط الذي كسر الحواجز بين المدرسة الرسمية والمدرسة الخاصة وبين الاسلام والمسيحية. وفي سؤال عن المشاريع المقبلة للقاء الاثنين لتعميم هذه الفكرة وتطويرها أكّدت رئيسة اللقاء أنّ التبادل الطالبي لا ينحصر بهذه المدارس فقد شاركت مدارس عديدة في هذا النشاط وندعو عبركم المدارس الى المشاركة معنا المسيحية منها والاسلامية. وأخيراً تمنت من الطلاب أن يحصدوا ما نزرعه لهم في هذا النشاط لبناء وطن أفضل لهم ولأبنائهم.
بعد ذلك كان لنا حديث مع منظم النشاط السيد فادي الفار الذي أشار الى أنّ التبادل الطالبي انطلق بمبادرة من لقاء الاثنين وتطور على مدى السنين ليشمل عددًا كبيرًا من المدارس. أما دور وزارة التربية فينحصر في دعم هذا المشروع وليس في فرضه. ثمّ أكّد أن جمعية المقاصد تدعم هذا التبادل الطالبي وتشجّعه وهي التي بادرت الى المشاركة فيه. وأوضح أن الطلاب ينتظرون هذه اللقاءات سنوياً، وهم يتواصلون باستمرار من خلال وسائل الاتصال الحديثة وبعضهم ينظّم لقاءات مشتركة خارج المدرسة.
أما الأب سيمون ديب اللعازري فقد أكّد أن مدرسة القديس يوسف عينطورة كانت وستبقى ملتقى للأديان وصرحاً للمواطنة والتربية والتعليم وعليه مازالت تشارك في نشاط التبادل الطالبي منذ أن انطلق في العام 2002 . وأشار الى أنّ لقاء الإثنين سينظم إحتفالاً بمناسبة مرور 15 عامًا على بداية النشاط. وهدف هذا اللقاء الطالبي هو التأكيد على العيش المشترك وأن الاختلاف ليس خلافاً بين الاسلام والمسيحية بل يجب تقريب وجهات النظر وتبادل الثقافات داخل البيت الواحد. وشدّد على أن معهد القديس يوسف عينطورة يقوم بالمشارك في هذا النشاط لأن المدرسة لم تعد مختلطة طائفياً بعد الحرب الأهلية ولتقول لطلابها أن حدود وطنهم لا تنتهي عند نهر الكلب.